في عالمنا الذي يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا والحوسبة، جاء إعلان جوجل الأخير بشأن شريحتها الكمومية الجديدة “Willow” ليُحدث ضجة علمية هائلة. هذه الشريحة، كما أفادت مجلة Nature، استطاعت حل مشكلة معقدة جدًا في 5 دقائق فقط، وهي مشكلة كانت ستستغرق أقوى الحواسيب التقليدية 10 سبتيليون سنة لحلها! ولكي نضع هذا الرقم الضخم في منظور مفهوم، إذا اختُصر عمر الكون (13.7 مليار سنة) إلى ثانية واحدة، فإن 10 سبتيليون سنة تعادل حوالي 23 مليون سنة على نفس المقياس. هذا الإنجاز يعكس القوة الهائلة للحوسبة الكمية وكيفية تجاوزها لمحدودية الحوسبة التقليدية
الفارق بين الحواسيب التقليدية والحواسيب الكمومية
لفهم هذا الإنجاز، نحتاج إلى مقارنة بسيطة بين الحواسيب التقليدية والكمومية.
•الحاسوب التقليدي:
يعمل الحاسوب التقليدي بنظام العد الثنائي (binary)، حيث يتم تخزين البيانات ومعالجتها باستخدام وحدات تسمى “البتات” (bits). كل بت يمكن أن يكون إما “0” (غياب تيار كهربائي) أو “1” (وجود تيار كهربائي)، مما يعني أنه لا يستطيع العمل إلا في حالة واحدة فقط في وقت معين.
•الحاسوب الكمومي:
الحواسيب الكمومية، على العكس تمامًا، تستند إلى قوانين ميكانيكا الكم الغريبة وغير المألوفة. في هذا العالم، يمكن للجسيمات أن تكون في عدة حالات في الوقت نفسه، وهي خاصية تُعرف بـ التراكب الكمومي (Superposition).
بدلاً من “البتات”، يستخدم الحاسوب الكمومي وحدات معالجة تسمى “الكيوبتات” (qubits). الكيوبت يمكن أن يكون “0” و”1” في نفس الوقت، بل وأي حالة بينهما، مما يمنحه قدرة معالجة هائلة تمكنه من إجراء ملايين العمليات في وقت واحد
تبسيط مفهوم الحوسبة الكمومية بمثال
لنفترض أنك تمتلك متاهة ضخمة مكونة من ملايين الطرق المتشابكة، وتحتاج إلى إيجاد أقصر طريق للخروج.
•الحاسوب التقليدي سيقوم بتجربة كل طريق على حدة، واحدة تلو الأخرى، حتى يجد الطريق الصحيح. قد يستغرق هذا سنوات طويلة.
•أما الحاسوب الكمومي، فهو مثل “مستكشف سحري” يستطيع رؤية جميع الطرق الممكنة في نفس اللحظة، ويحدد الطريق الأقصر فورًا.
هذا المثال يعكس كيفية عمل الحوسبة الكمومية وقدرتها على التعامل مع مشكلات معقدة تعتبر مستحيلة على الحواسيب التقليدية
الإنجاز التاريخي لشريحة “Willow”
شريحة “Willow” من جوجل أثبتت قدرة الحوسبة الكمومية على تجاوز الحواسيب التقليدية من خلال اختبار معقد يُعرف بـ “معيار أخذ العينات العشوائية للدائرة” (RCS). هذا الاختبار يهدف إلى قياس مدى عشوائية الأنماط الناتجة عن سلسلة معقدة من العمليات الكمومية.
لتبسيط هذا الإنجاز، يمكننا تخيله كالتالي:
تصور أن لديك برطمانًا ضخمًا مملوءًا بآلاف الكرات بألوان مختلفة. عند هز البرطمان، تسقط الكرات في أنماط عشوائية.
•الحاسوب التقليدي سيحتاج إلى فحص كل كرة على حدة لتحديد النمط الناتج، مما يستغرق وقتًا طويلًا.
•أما الحاسوب الكمومي “Willow”، فهو مثل آلة سحرية تستطيع تحليل سقوط جميع الكرات في لحظة واحدة وتحديد النمط فورًا، حتى لو كان البرطمان معقدًا للغاية
تحديات الحوسبة الكمومية
رغم الإنجازات المذهلة، تواجه الحواسيب الكمومية تحديات كبيرة. الكيوبتات حساسة جدًا للأخطاء بسبب الطبيعة الهشة للتراكب الكمومي. ومع ذلك، أعلنت جوجل أنها تغلبت على هذه المشكلة في شريحتها “Willow” باستخدام نظام مدمج لتصحيح الأخطاء الكمومية، مما يجعل هذا الإنجاز أكثر إقناعًا
التطبيقات المستقبلية للحوسبة الكمومية
الحوسبة الكمومية ليست مجرد إنجاز تقني، بل تُعد بوابة لثورة في العديد من المجالات، منها:
1.الطب والكيمياء:
•اكتشاف أدوية جديدة.
•محاكاة التفاعلات الكيميائية المعقدة على المستوى الذري.
2.الذكاء الاصطناعي:
•تسريع عمليات التعلم الآلي والتنبؤات الذكية.
3.التشفير والأمن الإلكتروني:
•تطوير أنظمة تشفير أقوى وأكثر أمانًا.
4.استكشاف الفضاء:
•تحديد مسارات مثالية للسفر بين الكواكب.
5.التنبؤ بالمناخ:
•فهم التغيرات المناخية بدقة والتخطيط لحلول مستدامة
خلاصة:
إنجاز جوجل الأخير في الحوسبة الكمومية مع شريحتها “Willow” ليس مجرد تطور تقني، بل هو خطوة نحو مستقبل غير محدود الإمكانيات. مع تطور هذه التقنية، سنشهد ثورات علمية غير مسبوقة قد تُغير شكل العالم كما نعرفه
Leave feedback about this